السبت، 29 مارس 2014

دعوة المسيح عليه السلام

دعوة المسيح :

ولما بلغ عيسى بن مريم من العمر ثلاثين عاما نزل عليه الوحي بكتاب الله المسمى بـ (الإنجيل) مصدقاً للتوراة.. ومؤيداً لصحيحها، ومبينا لما حرف منها ومبشراً برسول يأتي من بعده أسمه أحمد …

قال تعالى :
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6) } (سورة الصف).

وقام يدعو بني إسرائيل إلى دين الحق، في مجتمع دخلت فيه انحرافات كثيرة وخرافات وأباطيل، وذلك بعد أن طال على بني إسرائيل الأمد فقست قلوبهم، وحّرفوا شريعة الله، وتلاعبوا بنصوص التوراة..

فبعث الله إليهم هذا النبي الكريم بما بعث به إخوانه الأنبياء من قبل ليردّ بني إسرائيل إلى الجادة، ويصحح ما دخل إلى شريعتهم من تحريف وتبديل، كما جاءهم بأحكام شرعية جديدة، ومن ذلك تحليل ما كان قد حرّم على اليهود في شريعة موسى عليه السلام بسبب بغيهم وعدوانهم ، عقوبة من الله ؛ فبعث الله إليهم هذا النبي الكريم يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .

قال تعالى مخبراً عن دعوة نبيه عيسى:
(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(51))(سورة آل عمران).

ومعلوم أن قطب رحى دعوة هذا النبي الكريم وأصلها وأهم أركانها هو التوحيد الذي بعثت به الرسل كافة.

كما قال تعالى في دعوة الرسل عامة:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25))(سورة الأنبياء).

فالتوحيد الذي تحويه كلمة (لا إله إلا الله) هو أصل دعوة المسيح عليه السلام شأنه كشأن كافة الرسل. وقد فسّر الله تعالى هذه الكلمة وبين حقيقة هذه الدعوة على وجه الإجمال بقوله تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(36))(النحل) .

كما بيّن سبحانه أنها العروة الوثقى التي عليها مدار النجاة، فمن استمسك بها فاز ونجى ومن كفر بها أو أعرض عنها هلك وخسر خسراناً مبيناً. فقال تعالى:
(قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)) (البقرة)

فقوله تعالى في البقرة:
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ)..

وقوله سبحانه في النحل:
(أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ؛ هو معنى التوحيد الذي حوته وتضمنته (لا إله إلا الله) بركتي النفي الإثبات الذين تتكون منهما.. فـ(لا إله) هو ركن النفي الذي يعني البراءة من كل ما يعبد من دون الله من بشر أو حجر أو غيره ، ويتضمن الكفر بكل ما يُتبَّعَ من الأديان والشرائع والمناهج الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

و (إلا الله) هو ركن الإثبات الذي يثبت ويفرد العبادة لله وحده، ويجرد الطاعة المطلقة والتشريع والتحليل والتحريم له وحده سبحانه فلا يشاركه في شيء من ذلك لا حاكم ولا نائب ولا قسيس أو راهب أو عالم أو غيره..

وهذا يعني البراءة من ألوهية عيسى التي وصفه بها النصارى.. فالمسيح واحد من أولئك الرسل الكرام الذين دعوا إلى هذه الكلمة العظيمة كما في قول الله تعالى الذي يخاطب به خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) فالمسيح رسول من الرسل الذين أرسلوا قبل خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الله تعالى ذلك في بيان دعوة المسيح وعلى لسانه فقال:

(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)) (المائدة).

وقد جاء شيء من هذا فيما تبقى في أناجيلهم المحرفة ففي إنجيل متى 4/(10-11) ولوقا (4/8) :
( إنّه مكتوبٌ؛ للربِ إلهكَ تسجُد وإيّاهُ وحدَهُ تَعُبُد) .

وموجود أصرح منه في إنجيل برنابا الذي ترفضه الكنيسة لأن فيه إبطال صريح لشركياتهم بل فيه صراحة ذكر أن " آدم رأى مكتوبا فوق الباب ( لا إله إلا الله محمدا رسول الله ) " ص 91 الفصل الحادي والأربعون .

وفيه أن تلاميذ المسيح لما بعثهم مبشرين بالتوبة كما أمرهم يسوع مبرئين كل نوع من المرض(حتى ثبت في اسرائيل كلام يسوع أن الله أحد ، وأن يسوع نبي الله).

ص194-195 الفصل السادس والعشرون بعد المائة ، وفي الموضع نفسه قولهم للمسيح : ( يامعلم لقد أبرأنا عددا لا يحصى من المرضى وأخرجنا شياطين كثيرة كانوا يعذبون الناس ، فقال يسوع : ( ليغفر الله لكم أيها الاخوة لأنكم أخطأتم إذ قلتم " أبرأنا " ، وإنما الله هو الذي فعل ذلك كله ) .. وقال : في كل عمل صالح قولوا " الرب صنع " وفي كل عمل رديء قولوا " أخطأت " ثم سألهم عما يقوله اسرائيل ما يصنع تلاميذه من ذلك فأجاب التلاميذ : بأنهم يقولون انه يوجد إلهٌ أحد وأنك نبي الله ، فأجاب يسوع بوجه متهلل : ( تبارك اسم الله القدوس ).

وفي ص 285الفصل الثاني عشر بعد المائتين : ( أيها الرب الإله القدير الغيور .. العن إلى الأبد كل من يفسد إنجيلي الذي أعطيتني عندما يكتبون أني ابنك لأني أنا الطين والتراب خادم خدمك ) .



- تاييده بالمعجزات :

وقد أيّد الله نبيه المسيح عليه السلام بالبينات الباهرة، والمعجزات الظاهرة الدالة على صدقة وصدق رسالته..

- وأول هذه المعجزات كما تقدم ولادته من غير أب.

- ثم كلامه في المهد ..

- ولما بدأ دعوته في بني إسرائيل صار يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله.

فقد بعث في زمن انتشر فيه الطب والحكمة، لذلك كانت معجزاته التي أيّد بها تعجيزاً لأهل هذا الفن .. فأنّى للحكيم أن يبرئ الأكمه الذي هو أسوأ حالاً من الأعمى،إذ هو الذي ولد بعماه ، أو الأبرص والمجذوم، وكيف يتوصل أحد من الخلق ولو كان من أعرفهم بالطب والحكمة إلى أن يقيم الميت من قبره؟؟

قال تعالى:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ(48)وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(49)) (سورة آل عمران).

وقال تعالى :
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الذينَ كَفَروا منهم إِنْ هَذا إلا سِحْرٌ ُمبين ) (110))(سورة المائدة) .



إيمان الحواريين بالمسيح :

الحواريون عدد من تلاميذ المسيح آمنوا به وصحبوه وشهدوا كثيراً من المعجزات التي أيده الله بها .. وقد سموا بالحواريين من الحور وهو البياض لصفاء قلوبهم ونقاء سريرتهم..

قال تعالى:
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ([18]) إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا ءَامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ(111)إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(112)قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ(113)قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ(114)قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ(115)) (المائدة).

ونحن نؤمن كما أخبرنا الله تعالى أن أولئك الحواريين قد نصروا المسيح ونصروا دعوته وآمنوا به كرسول من عند الله فلم يبدلوا أو يغيّروا..

وقد أثنى الله تعالى عليهم بقوله:
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52)رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)) (سورة آل عمران).

وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ(14)) (سورة الصف).

وفي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحواريين هم خاصة اتباع الرسل وصحابتهم. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الأيمان حبة خردل).

فهذا كله يدل على أن الحواريين هم خاصة الأنبياء وأنصارهم، وكذلك كان حواريو عيسى عليه السلام، لم يضرّهم من عاداهم ولا من خالفهم وخذلهم من المشركين الذين وصفوا عيسى بالألوهية، وحرّفوا الكتاب والشريعة التي جاء بها، وبدلوا الكلم عن مواضعه.

بل ثبت أولئك الحواريون على ما تركهم عليه عيسى عليه السلام رغم الأذى والعذاب والقتل والنشر بالمناشير.

فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(خذوا العطاء مادام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه فيمنعكم ذلك الفقر.

ألا إن رحى الإسلام دائرة تدور مع الكتاب حيث يدور، ألا إن السلطان والكتاب سيفترقان، ألا فلا تفارقوا الكتاب. ألا إنه سيكون عليكم أمراء إن أطعمتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله..؟

قال : كما صنع أصحاب عيسى عليه السلام، حملوا على الخشب، ونشروا بالمناشير، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله).

هكذا أثنى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحواريين ووصفهم بأطيب الصفات وأجمل الخلال..

أما النصارى فقد أظهروهم في أناجيلهم على أنهم أناس جبناء خذلوا المسيح وهربوا عند الحقائق وتبرؤوا منه وأنكروا معرفتهم به عند اعتقاله بل وصوروهم على أنهم أغبياء وثقيلوا الفهم عُمْي القلوب!!

ولا شك أن هذه الأوصاف الأخيرة تُسهّل على النصارى أن يمرروا بسببها كثيراً من العقائد الشركية التي كان ينكرها أولئك الحواريون.. فهم بزعم النصارى لثقل إفهامهم وغباوتهم وعمي قلوبهم.. لم يدركوا أن المسيح هو أبن الله إلا في مراحل متأخرة من حياة المسيح!!

وتأمل سؤالهم بعد بعض المعجزات التي ظهرت على يد المسيح، فتراهم مع أنهم أتباعه وتلامذته وخاصته:
(خافوا خوفاً شديداً وقال بعضهم لبعض: من ترى هذا حتى الريح والبحر يطيعانه ؟) مرقس (4/41).

فمع أن الأصل في المعجزة أن الله يظهرها على أيدي أنبيائه كدليل على صدقهم وصدق رسالاتهم.. إلا أنهم في الأناجيل يظهرونها مبهمة لا تُعرف الغاية من ورائها، ولا يَعرِف من يشهدها ؛ من هذا الذي تحصل على يديه…! وما ذلك إلا ليبقوا باب الإشراك مفتوحاً، فيجيبوا متى شاءوا : إنه ابن الله !!

كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.

بل جعلوا من حوارييه وتلامذته وخاصته، من خان المسيح وأسلمه إلى أعدائه مقابل ثلاثين درهماً([23])وكان سّرافاً يسرق أموال المسيح وتلامذته الباقين وهو يهوذا الإسخريوطي هذا مع أنهم يذكرون عن المسيح أنه جعل لجميع الحواريين ـ ومنهم هذا الخائن السارق ـ سلطاناً على الشياطين وقدرة على إبراء وإشفاء المرضى، كما في إنجيل متى (10/1-9):
( ودعا تلاميذه الاثني عشر فأولاهم سلطاناً يطردون به الأرواح النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلة وهذه أسماء الرسل الإثْني عشر ) :-

1- سمعان الذي يقال له بطرس

2- وإندرواس أخوه.

3- فيعقوب بن زبَدى

4- ويوحنا أخوه

5- ففيلبُّس.

6- وبَرتُلماوُسُ

7- فتوما.

8- ومتى العشار

9- فيعقوب بن حَلفى

10- وتَدَّاوُس

11- فسمعان الغيور

12- ويهوذا الإسخريوطي ذاك الذي أسلمه.

وتأمل كيف لم يعدوا في جملتهم هنا ( برنابا ) صاحب الإنجيل المشهور الذي خالفهم فيه في عقائدهم الشركية فرفضوه ، مع أنهم يقرون أنه من أشهر أتباع المسيح والدعاة إلى المسيحية في زمنه، بل وصفوه بأنه ( كان رجلا صالحا ممتلئا من الروح القدس ومن الإيمان ) كما في
( أعمال الرسل 11/24) وذكروا أن الروح القدس أرسله مع شاول (بولس) موفدين يبشران بكلمة الله بين اليهود .. ( أعمال الرسل 13/2-5) وغيرها .

هؤلاء الإثني عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قال: لا تسلكوا طريقاً إلى الوثنيين ولا تدخلوا مدنية للسامريين، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل([32])، وأعلنوا في الطريق أن قد أقترب ملكوت السماوات.

أشفوا المرضى وأقيموا الموتى، وأبرئوا البرص، واطردوا الشياطين، أخذتم مجانا فمجانا أعطوا… الخ) .

تأمل! وأقيموا الموتى.. خاصّية يهبها إلى تلاميذه الإثني عشر ومنهم ذلك الخائن السارق الذي أسلمه لأعدائه بثلاثين درهماً..!!

وإذا كان للحواريين القدرة على إحياء الموتى.. فأيّ خاصيّة أختص بها المسيح إذن في معجزاته ؟!.

ومن التناقض الصريح والكثير في أناجيلهم، أنهم ذكروا بعد ذلك في إنجيل
( متى 17/14-21) أن جميع تلامذته هؤلاء، قد عجزوا عن طرد شيطان من جسد غلام.. والطريف في هذا الموضع أنهم لما رأوا المسيح يطرده سألوه: ( لماذا لم نستطيع نحن أن نطرده؟) فقال لهم: ( لقلة إيمانكم )!! الحق أقول لكم : إن كان لكم من الإيمان قدر حبة خردل، قلتم لهذا الجبل: أنتقل من هنا ألى هناك، فينتقل) أهـ. وفيه أيضاً عند قصة التينة التي أمرها المسيح فيبست، فعجب التلاميذ من ذلك. فقال لهم: (21/18-22): (الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان لا يداخله ريب. لا تفعلون ما فعلته بالتينة فحسب، بل كنتم إذا قلتم لهذا الجبل؛ قم فاهبط في البحر، يكون ذلك..)أهـ.

ولابن حزم رحمه الله تعالى في الفِصل، كلام نفيس يعلق فيه على هذا التناقض ملخصه؛ أن يقال: ( لا يخلو التلاميذ المذكورون، ثم هؤلاء النصارى بعدهم إلى اليوم، من أن يكونوا مؤمنين بالمسيح عليه السلام، أو غير مؤمنين، ولا سبيل إلى قسم ثالث…

- فإن كانوا مؤمنين، فقد كذب المسيح ـ على قولهم ـ فيما وعدهم به في هذه الفصول جهالاً، وحاشاه من الكذب، أو كذبت أناجيلهم.ز فما منهم أحد قط قدر أن يأمر ورقة فتيبس، فكيف بتسيير جبل، أو قلعه وإلقائه بالبحر..؟؟

- وإن كانوا غير مؤمنين، فقد صدقوا في هذا، وهم بإقرارهم به قد شهدوا على أنفسهم بالكفر، ولا يجوز أن يُصدّق كافر أو يُتّبع أو يُؤخذ الدين عنه..!!

ثم يقال؛ إذا كان الحواريون وهم صفوة أتباع المسيح وخاصته. ليس في قلوبهم مثقال حبة من خردل من إيمان!! وليس في قلوبهم إيمان لا ريب فيه، بل إن كان فيها إيمان فهو إيمان مدخول بالريب والشك..!! فما بالك بمن هم دونهم من النصارى إلى هذه الأزمنة المتأخرة..؟ ومعلوم أن الإيمان إن دخله شك وريب أبطله..

فإذا كان إيمان هؤلاء التلاميذ باطلاً كما شهد عليهم المسيح هنا..!! فكيف يُولّيهم قبل ذلك سلطان طرد الشياطين وأشفاء المرضى، وإبراء البرص، بل وإحياء الموتى ؟!!

وعلى كل حال فهذه الأسماء التي عدَّدوها، هم حواريو المسيح وتلامذته وهذه بعض صفاتهم على زعم النصارى.. أما نحن المسلمون فنعتقد بأن للمسيح حواريين وأصحاب أتقياء نصروه،ونصروا دعوته واحتملوا في سبيلها الأذى والقتل والبلاء ، أما أسماؤهم فلم يثبت عندنا في ذلك خبر مرفوع.

وقد جزم النصارى بان الحواريين هم هؤلاء المذكورين ؛ مع أن أناجبلهم، ذكرت تلاميذ آخرين للمسيح أشهرهم برنابا، إلا أن الكنيسة لم تثبته مع الحواريين .

والنصارى ينسبون إلى المذكورين من الباطل و الشرك والقول بألوهية المسيح وغير ذلك مما يستحيل أن ينتحله خاصة الرسل وحوارييهم..

وعلى كل حال فقد قال أبن جزم في الفصل: (2/17): "إن كل من شمعون باطرة ويوحنا ومتى ومرقس ولوقا وبولس كانوا مختفين مستترين لا يظهرون دينهم بل كانوا مظهرين لدين اليهود من التزام السبت وغيره طول حياتهم إلى أن ظفر بهم فقتلوا ..)أهـ.

فإذا كان هذا حال أشهرهم وهو : (شمعون باطره) المعروف ببطرس: أي صخر، إشارة إلى ثباته!! وسيأتي أنه أنكر معرفته بالمسيح عند الحقائق. فكيف بمن هم دونه ممن يزعمون أنهم خاصة المسيح وتلامذته؟؟.



- تكذيب بني إسرائيل للمسيح وسعيهم في قتله:

ورغم هذه المعجزات الباهرة، ورغم أن القوم الذين أرسل إليهم المسيح كانوا ينتظرونه ويستبشرون به ببشارة الأنبياء من قبله، فلما جاءهم وجهر بدعوته، وصار يناظر الفريسيين والكهنة ويفحمهم، استكبر أكثرهم وكذبوه وناصبوه العداء، ورموه بالسحر ورموا أمه بالقبائح وبدأوا بالتآمر عليه، وحاولوا قتله مراراً ولكن الله تعالى نجاة منهم، ولم يمكنهم من عبده ورسوله.. قال تعالى:-
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156)وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157)) (سورة النساء).

ثم اجتمع عظماء اليهود وأحبارهم وتشاوروا في أمره، فرفعوه إلى الحاكم الروماني "بيلاطس النبطي" الذي كان حاكماً على اليهود باسم الملك (قيصر) يحرشون على قتله ؛ وزيّنوا دعواهم بأن المسيح يريد أن يكون ملكاً على اليهود وأنه يسعى لتقويض الحكم القائم.

ولا غرابة في ذلك فهذه طريقة الملأ وديدنهمم على مر العصور مع الأنبياء والدعاه عندما يعجزون عن مواجهة حججهم الباهرة بحجج مثلها !

لا يلجؤون إلى الدليـل وإنما في العجز ملجؤهم إلى السلطان

فأوغزوا صدر الحاكم عليه حتى قرر أن يتخلص منه بالقتل والصلب على طريقتهم التي كانوا يفعلونها فيمن يحكمون عليه بالقتل.. وعلم نبي الله عيسى بذلك فاختفى عن الأعين ودخل أورشليم.


- إدعاء النصارى أن اليهود أسروه وصلبوه :

وتروي الأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم أن المسيح قال لتلامذته:
"الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني" "وهو يأكل معي" وفيها بيان أنه "يهوذا الإسخريوطي" وأن يهوذا هذا، الذي يزعمون أنه كان من تلامذته بل من حوارييه الإثني عشر، دلَّ الشُرط الذين كانوا يبحثون عن المسيح على مكانه مقابل دريهمات معدودة .. "ثلاثون درهما" وأنه اتفق معهم إذا دخلوا عليه أن يقبّله كعلامة يعرفهم بها عليه من بين تلامذته وأن تلامذته خذلوه إلا ما يحكونه عن بطرس من أنه أستل سيفه وقطع أذن عبد عظيم الأحبار، فهذا المسيح وأمره أن يغمد سيفه وأنه لمس أذن العبد فبرئ .

وزعموا أنه قال لبطرس: (أوَ تظن أني لا أستطيع أن أسأل أبي، فيمدني الساعة بأكثر من أثني عشر فيلقا من الملائكة؟) .

ثم يزعمون أن الذين امسكوه ساقوه إلى عظيم الأحبار، وقد أجتمع عنده الكتبة والشيوخ وأنهم كلموه فظل صامتاً، إلى أن أستحلفه عظيم الأحبار (هل أنت المسيح أبن الله)؟ ويزعمون أنه أجابه بالإيجاب، فقام عظيم الأحبار عند ذلك وشقّ ثيابه .. وحكم عليه بالموت.. فبصقوا في وجهه ولطموه ومنهم من لكمه .

وعند هذا الحد يزعمون أن بطرس الذي هو أقرب الحواريين إلى المسيح، وهو الوحيد الذي حاول الدفع عنه ولحق به لما أسروه، يزعمون أنه تبرأ منه عندها وأنكر معرفته به، وأنه أخذ يلعن ويحلف أنه لا يعرفه وأنهم بعدها ساقوا المسيح إلى الحاكم بيلاطس ليصادرق على حكمهم، وأخبروه أن المسيح يدّعي أنه ملك اليهود، وأنه يريد بذلك الخروج على حكم القيصر، وينهى عن دفع الجزية له، ولذلك يجب قتله وصلبه .. وأن ذلك الحاكم جلده وأسلمه لهم ليصلب فكللوه بإكليل ضفروه له من الشوك فوضعوه على رأسه وأخذوا يسخرون منه وينادونه (السلام عليك يا ملك اليهود) ويبصقون عليه.. ويضربونه بقصبه على رأسه . ثم خرجوا به ليصلبوه فزعموا في أناجيلهم الثلاثة متى ومرقس ولوقا أنهم صادفوا رجلاً اسمه سمعان القيريني كان آتياً من الريف فسخروه ليحمل الصليب ويمشي خلف المسيح ..

أما إنجيل يوحنا فزعم أن المسيح خرج حاملاً صليبه بنفسه !!

فيقال للنصارى لابد من كاذب مفتر مبدل في هذا !! إما أولئك الثلاثة أو هذا الأخير..

أما عندنا نحن المسلمون، فكل ذلك محض افتراء والحق عندنا أنهم ما أسروا المسيح ولا صلبوه ولا قتلوه. ولكنه شبه لهم كما قال تعالى:
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بل رَفَعه اللهُ إليهِ وكانَ اللهُ عزيزاً حكيما ..(157))(سورة النساء).



- دعوى صلب المسيح وعقيدة الفداء :

- وتزعم الأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم، أنهم بعد ذلك أخذوه إلى مكان يعرف بالجمجمة . ثم ناولوه خمراً ممزوجة بمرارة ليشربها - على عادتهم بأن يسقى المحكوم عليه مثل ذلك كي يفقد الحس فتخف آلامه.. فيزعمون أنه ذاقها!! وأبي أن يشربها..

- فصلبوه بين لصين، ووضعوا فوق رأسه علّة الحكم عليه، كتب فيها: (هذا يسوع ملك اليهود)

(وكان المارة يشتمونه وهم يهزّون رؤوسهم ويقولون: يا أيها الذي ينقض الهيكل ويبنيه في ثلاثة أيام خلّص نفسك إن كنت أبن الله، فانزل عن الصليب! وكذلك كان الأحبار يسخرون منه فيقولون: "خلّص غيره ولا يقدر أن يخلص نفسه" ويزعمون أن الجند عرّوه من ثيابه واقتسموها بينهم وزعموا أنه كان يستغيث بالجنود ليسقوه فقال لهم: "أنا عطشان" وأنهم بلّلوا اسفنجة بخل ووضعوها على قضيب وقربوها من فمه . وأنه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، صرخ صرخة شديدة قال: "إيلي، إيلي، لَمّا شَبَقتاني؟ " أي : "إلهي، إلهي ، لماذا تركتني؟" ثم لفظ روحه على ما يزعمون، وأن أحد الجند طعنه بحربة في جنبه فخرج دم وماء ..

فتأمل إلى هذا الهراء.. واحمد إلهك على نعمة الإسلام والتوحيد.. والعافية في عقلك وفهمك.

فإن أعظم أصل من أصول هذه الديانة المحرّفة المتهافتة، وركنها الركين هي عقيدة الفداء التي يزعمون أن المسيح جاء وصلب من أجلها، وأنه كان يعرف أن ذلك سيحصل له من قبل بل ويعرف من سيسلمه لأعدائه، من تلامذته كما تقدم، وأن ذلك كله لتكفير خطايا المؤمنين به. .

ثم في هذا المقام الحاسم وبين يدي أعدائه والشامتين به، يفزع ويصرخ: "إلهي.. إلهي، لماذا تركتني؟". أو ليس يزعمون أنه إنما جاء لأجل ذلك.. فعلام يفزع ويزعم أن الله قد تركه.؟!! فأي عقول نخرة وأفكار متهافتة تقبل مثل هذا التناقض الصريح.. ثم يزعمون مع هذا كله إنه إله.. أو نصف إله .. أو أبن الله!! فلعنة الله على الظالمين ..

ورحم الله عمر الفاروق إذ يقول فيهم: "أهينوهم ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله عز وجل مسبة ما سبّه إياها أحد من البشر" أ.هـ.

وتالله لقد صدق رضي الله عنه، فإن عبّاد الأصنام، مع انهم من أكفر الخلق، إلا أنهم كانوا يأنفون أن يصفوا آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله وهي من الحجارة ونحوها – بمثل ما وصف به النصارى رب العالمين..

وتالله، لقد كان الله في قلوب أولئك الوثنين أجل وأعظم من أن يصفوه بهذه الذلة والمهانة .. فما قالوا قط أن أوثانهم هي الله.. ولا كانوا ليقبلوا أن تضرب أوثانهم التي أشركوها مع الله أو تصفع أو يبصق عليها.. وقديماً رام أسلافهم تحريق خليل الله لما تعرض لها بالكسر والتسفيه والتحقير…

فبعداً لمن كان شراً وأعظم ارتكاساً في أفكاره وأشد انتكاساً في عقيدته من عباد الحجارة الوثنيين. .!!.

وعذر النصارى في ذلك أقبح من أقوال وعقائد كثير من أولئك الوثنيين وهو ما يسمونه بعقيدة الفداء أو الخلاص.. ومنه تسميتهم للمسيح بالمخلّص.. وذلك أن ابن الله بزعمهم قَبِلَ أن يُصلب ويُضرب ويُصفع ويُبصق في وجهه لأجل أن يُكفّر عنهم خطاياهم، ومن ثم ليبقوا في غيّهم وشهواتهم سادرين..

وذلك أن العالم بزعمهم، ومنذ عهد وقوع آدم في الخطيئة بأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها ؛فإنه يبتعد عن الله بسبب تلك الخطيئة، وأن كل مولود من ذرية آدم فإنه يبتعد عن الله بسبب تلك الخطيئة، وأن كل مولود من ذرية آدم فإنه يولد وهو يحمل خطيئة أبيه!!

فزعموا أن الله من محبته ونعمته أرسل ابنه الوحيد!! (( كبرت كلمة تخرج من أفواههم )) إلي هذا العالم ليمكّن أعداءه منه فيأسروه ويصلبوه ويسمروا يديه ورجليه على الخشب، ويلطموه ويبصقوا في وجهه، ويسخروا منه ويضعوا على رأسه إكليلا من الشوك استهزاء به، كل ذلك ليفدي البشر ويكفر عنهم خطيئة أبيهم وخطاياهم..

فنسبوا الله عز وجل إلى غاية العجز، حيث عجّزوه أن يُخلّصهم بقدرته، إلا بتسليط أعدائه على نفسه أوعلى أبنه كما زعموا.

ثم تناقضوا في خاتمة المطاف، فجعلوه يفزع ويصرخ ويصيح ويستغيث معترضاً على ما جاء بزعمهم من أجله !! قائلاً: "إلهي لماذا تركتني..؟" والقوم يبصقون في وجهه ويلطمونه من كل صوب، ويسخرون منه..!!.

وبالجملة، فلا نعلم أمة من الأمم أهانت وسبت ربها ومعبودها وإلهها بما سبتّ به هذه الأمة، كما قال عمر رضي الله عنه ..

وعقيدتنا نحن المسلمون أن الله قد تاب على آدم وغفر له معصيته تلك، فلم يعد يحملها هو؛ فضلاً عن أن تحملها ذريته.. قال تعالى:
(وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(121)ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى(122)) (سورة طه).

وقد بيّن رسولنا الكريم "أن المولود يولد على الفطرة.." لا على الخطيئة كما يزعم النصارى. "وأن الله خلق عباده حنفاء.." وليس في حمأة الخطيئة. ولسنا بحاجة في دين الإسلام العظيم إلى من يحمل عن الأمة خطاياها، أو يتوسط بينها وبين ربها، قال تعالى:
(( وإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)) (سورة البقرة) وأعظم إنسان في ديننا هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لا يملك أن يُكفّر خطايا الناس أو أن يشفع فيها إلا أن يأذن الله له بذلك.. قال تعالى منكراً على المشركين: (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))، وهذا فيما هو دون الشرك .. أما الشرك فلا يغفره الله تعالى ولا تنفع فيه شفاعة الشافعين ؛ قال تعالى: (( إن الله لا يغفر أن يُشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..)).

بل قال عن الأنبياء أنفسهم :
(( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))(الأنعام: من الآية88)

ومن ثم فلا ينفع أو يشفع في الإشراك مع الله تعالى، ما يُشقشق به النصارى من عقيدة الفداء أو الخلاص أو غيرها.. وقد قال الله تعالى لأحبّ خلقه إليه:
(( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يُعذبهم بأنهم ظالمون )).

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال :
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(214)" (الشعراء). فقال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا".

وأخيراً فإن من أصول ديننا، قوله تعالى:
(( ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )) (سورة فاطر) فلا ذنب للذرية ولا جريرة عليهم بخطيئه أبيهم..

قال تعالى:
( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)) (سورة المدثر).

وقال سبحانه:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا)(سورة فصلت).

وهذه هي العدالة الإلهية التي انحرف عنها النصارى، إلى نحاتات ونخالات أفكار رهبانهم وقساوستهم الذين ابتدعوا واخترعوا لهم فكرة وعقيدة الفداء التي تريحهم من التكاليف وتعينهم على افتراف الآثام والموبقات ؛ فالمسيح قد صُلب بزعمهم ليفديهم ويُكفر ذنوبهم .. فليغرقوا إذن في حمأة الخطايا والآثام.. وهذه العقيدة المتهافة هي عند النصارى من أصول دينهم ودعائم عقيدتهم، التي لا يقبل إيمان إلا بها.. مع أنها مخالفة ومناقضة، مناقضة صريحة لنصوص كتبهم المقدسة .. فقد جاء في "سفر التثنية":-

"لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل"أهـ.

وهذه المناقضة من حيث تحميلهم خطيئة آدم لذريته..!!

أما من حيث أن عقيدة الفداء أثمرت عند النصارى إلغاء العمل بالشريعة، وإسقاط الدينونة والحساب، وهو الأمر الذي استغله بولس لدعوته الإرجائية إلى التحلل والتحرر من تكاليف الشريعة ، كما سيأتي.. فمناقضة هذا، لما في أناجيلهم كثير أيضاً.. من ذلك:

- ما جاء في إنجيل متى مما ينسب إلى المسيح:
(لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء، ما جئت لأبطل بل لأكمل، الحق أقول لكم: لن يزول حرف أو نقطة من الشريعة حتى يتم كل شيء أو تزول السماء والأرض، فمن خالف وصية من أصغر تلك الوصايا، وعلم الناس أن يفعلوا مثله، عد الصغير في ملكوت السموات، وأما الذي يعمل بها ويعلمها فذاك يعد كبيراً في السموات) (5/17-19)

- وفيه أيضاً:
( سمعتهم أنه قيل " لاتزن" أما أنا فأقول لكم : من نظر إلى امرأة بشهوة زنى بها في قلبه، فإذا كانت عينك اليمنى سبب عثرة لك فاقلعها، وألقها عنك ، فلأن يهلك عضو من أعضائك خير لك من أن يلقي جسدك كله في جهنم،)(5/27-29) وأنظر (18/8-9)

- وفيه:
(لا تدينوا لئلا تُدانوا، فكما تُدِينون تُدانون، ويُكل لكم بما تكيلون) (7/1-2)

- وفيه :
(ليس من يقول لي: (يارب ، يارب) يدخل ملكوت السموات، بل من يعمل بمشيئة أبي([65])الذي في السموات، فسوف يقول لي كثير من الناس في ذلك اليوم: يارب، يارب، أَمَا باسمك تنبأنا ؟ وباسمك طردنا الشياطين؟ وباسمك أتينا بالمعجزات الكثيرة؟. فأقول لهم علانية: ما عرفتكم قط. إليكم عني أيها الفاسقون"أ.هـ. (7/21-24)

- وفيه أيضاً:
(ثم يقول – أي الله- للذين عن الشمال: "إليكم عني أيها الملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته: لأني جعت فما أطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني وكنت غريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً وسجيناً فما زرتموني، فيجيبه هؤلاء أيضاً: يارب، متى رأيناك جائعاً أو عطشان، غريباً أو عُريانا، مريضاً أو سجيناً، وما أسعفناك؟ فيجيبهم: الحق أقول لكم؛ أيما مرة لم تصنعوا ذلك لواحد من هؤلاء الصغار فلي لم تصنعوه، فيذهب هؤلاء إلى العذاب الأبدي، والأبرار إلى الحياة الأبدية)أهـ. (25/41-46)

- وفي إنجيل لوقا:
( لماذا تدعونني: يارب، يارب، ولا تعملون بما أقول ؟ كل من يأتي إلىّ ويسمع كلامي فيعمل به، أبيّن لكم من يشبه: يشبه رجلا بنى بيتاً، فحفر وعمق الحفر، ثم وضع الأساس على الصخر، فلما فاضت المياه اندفع النهر على ذلك البيت، فلم يقو على زعزعته لأنه بني بناء محكماً، وأما الذي يسمع ولا يعمل، فإنه يشبه رجلاً بنى بيته على التراب بغير أساس، فأندفع النهر عليه، فانهار لوقته، وكان خراب ذلك البيت جسمياً) أهـ. (6/46-49).

- وفيه أيضا (12/15):
(إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم..) أهـ. وغير ذلك كثير..



- الصليب ، وبدعة تعظيمه عند النصارى :

كان بعض أئمة الإسلام إذا رأى صليباً أغمض عينيه عنه، وقال: "لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب ".أهـ.

ولهذا قال بعض عقلاء الملوك: "إن جهاد هؤلاء واجب شرعاً وعقلاً فإنهم عار على بني آدم مفسدون للعقول والشرائع" أهـ.

ومن العجيب أنهم يقرؤون في التوراة
"ملعون من تعلق بالصليب" ثم هم يعظمون الصليب !!

ولو كان لهم أدنى عقل، لكان الأولى بهم أن يحرقوه أو يكسروه فإنه قد صلب عليه إلههم ومعبودهم بزعمهم، وأهين وصفع وقتل فوقه. وصار بزعمهم ملعوناً، لأنه علق به كما يقول بولس:
"إن المسيح صار لعنة لأجلنا" وتعظيم الصليب مما ابتدعوه في دين المسيح بعده بزمان، ولا ذكر له في أناجيلهم- أي بالتعظيم- وإنما ذكر في التوراة باللعن لمن تعلق به ولعل أوّل من سن لهم بدعة تعظيم الصليب"هيلانة الحرانية الفندقانية" أم الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي كان أول إمبراطور روماني يعتنق النصرانية كما سيأتي. وذلك أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل الذي ألقي عليه شبه المسيح ثم ألقوه بخشبته التي صلب عليها.. جعل بعض أتباع المسيح يأتون إلى مكانه ويبكون، فخشي اليهود أن يصير لذلك المكان شأنا فجعلوا مكانه مطرحاً للقمامة والنجاسة لينفروا عنه، فلم يزل كذلك، حتى كان زمان قسطنطين، أي بعد (300) سنة، حيث عمدت أمه هيلانة إلى ذلك المكان، تبحث فيه، معتقدة أن المسيح هناك فزعموا أنها وجدت الخشبه التي صلب عليها ذلك المصلوب([71]) فعظموها وغشوها بالذهب، ومن ثم اتخذوا الصلبانات، وتبركوا بشكلها، وقبّلوها .

وقد زعموا تعظيم المسيح بذلك، فاجتهدوا بحمقهم في ذمه وتنقصه والإزراء به والطعن عليه، وكان مقصودهم بذلك التشنيع على اليهود وتنفير الناس عنهم وإغراءهم بهم، فشوهوا بذلك النصرانية وملؤوها بالشرك والخزعبالت..

فإن زعموا أنهم إنما يعظمونه لأنه يرمز إلى خلاصهم ونجاتهم وعقيدة الفداء التي صلب من أجلها المسيح بزعمهم..

يقال لهم: فأنتم تعظمون كل صليب، ولا تخصون التعظيم بذلك الصليب الأول بعينه !!

فإن قالوا: الصليب من حيث هو، يذكر بالصليب الذي صلب عليه إلهنا .

قلنا: فاليد التي صفعته ولطمته وقتلته.. أولى أن تعظم من الصليب!! فعظموا أيدي اليهود لمسهم إياه وإمساكهم له، ثم أنقلوا ذلك التعظيم إلى سائر الأيدي.

فإن قالوا: منع من ذلك مانع العداوة.

قلنا: قد زالت العداوة بينكم اليوم.. ثم عندكم أنه هو الذي رضي بذلك واختاره ولو لم يرض به لم يصلوا إليه، ولو شاء لأمده الله بإثني عشر فيلقاً من الملائكة كما تقدم.. فعلى هذا فينبغي لكم أن تشكروهم وتحمدوهم إذا فعلوا مرضاته واختياره الذي كان سبب خلاص جميع المؤمنين من الجحيم عندكم .. فما أعظم منّة اليهود عليكم وعلى آبائكم؛ إذ قتلوا إلهكم، وصفعوه، وصلبوه بزعمكم .

ولقد أعجبتني كلمة في شأن الصلب المدعى وما يتعلق به من عقيدة الفداء؛ لقس مصري هداه الله فأصبح من دعاة الإسلام بعد أن كان من دعاة النصرانية ؛ حيث قال : ( إن كان المسيح رباً فلماذا يحتاج كي يغفر للعباد ويُكفّر ذنوبهم أن يُصلب ويُهان ويُصفع ويُبصق في وجهه ..!!

وأين هذا من قوله تعالى :
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر:53)..

وإن كان عبدا خطاء كما هم سائر العبيد فكيف يغفر عبدٌ لعبد ؟؟ وهل يغفر مذنبٌ لمذنب ؟؟

فدين الأمة الصليبية من قبل البعثة المحمدية. بنحو ثلاثمائة سنة، مبنى على معاندة العقول والشرائع، وتنقص رب العالمين.. ورميه بالعظائم.. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "إغاثة اللهفان" (2/290) :-

نريدُ جوابه ممّن وّعاهُ
أماتوه فما هذا الإله؟
فبشراهم إذا نالوا رضاهُ
فقّوتهم إذا أوهت قواه
سميع يستجيب لمن دعاه؟
ثوى تحت التراب وقد علاه؟
يدبرها وقد سمرت يداه؟
بنصرهم وقد سمعوا بكاه؟
الأله الحق شد على قفاهُ
يخالطه ويلحقه أذاه؟
وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟
أم المحيي له رب سواه
وأعجب منه بطن قد حواهُ
لدى الظلمات من حيض غذاه
ضعيفاً فاتحاً للثدي فاهُ
بلازم ذاك هل هذا إلهُ؟
سيسأل كلهم عما افتراه.


أَعُبّاد المسيح لنا سؤالٌ
إذا مات الإله بصنع قومٍ
وهل أرضاه ما نالوه منه؟
وإن سخط الذي فعلوه فيه
وهل بقي الوجود بالا إله
وهل خلت الطباق السبع لما
وهل خلت العوالم من إلهٍ
وكيف تخلت الأملاك عنه
وكيف أطاقت الخشبات حمل
وكيف دنا الحديد إليه حتى
وكيف تمكنت أيدي عداه
وهل عاد المسيح إلى حياة
ويا عجباً لقبر ضم ربا
أقام هناك تسعاً من شهورٍ
وشق الفرج مولوداً صغيراً
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي
تعالى الله عن إفك النصارى


يُعظّم، أو يقبح من رماهُ
وإحراق له ولمن بغاه
وقد شدت بتسمير يداه
فدسه لا تبسه إذ تراه
وتعبده؟ فإنك من عداه
حوى رب العباد وقد علاه
لضم القبر ربك في حشاه؟
بدايته وهذا منتهاه


أعباد الصليب بأيّ معنىً
وهل تقضي العقول بغير كسر
إذا ركب الإله !! عليه كرهاً
فذاك المركب الملعون حقاً
يهان عليه رب الخلق طراً
فإن عظمته من أجل أن قد
فهلا للقبور سجدت طراً
فياعبد المسيح أفق فهذا


وقد شرح العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ذلك كله في كتابه إغاثة اللهفان وبيّن تناقض النصارى وتهافتهم في أبواب شتى ..
إلى أن قال: " والنصارى قد ارتكبوا مخطورين عظيمين لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفه " :

أحدهما: الغلو في المخلوق حتى جعلوه شريك الخالق وجزءاً منه. وإلها آخر معه. و أنفوا أن يكون عبداً له.

والثاني: تنقّص الخالق ورميه بالعظائم حيث زعموا أنه حلّ في فرج امرأة وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل رضيعاً صغراً يمص الثدي، ولف في القمط، وأودع السرير يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوّط، ويُحمل عل الأيدي والعواتق.

ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه وربطوا يديه وبصقوا في وجهه وصفعوا قفاه، وصلبوه جهراً بين لصين، وألبسوه إكليلاً من الشوك، وسمروا يديه ورجليه وجّرعوه أعظم الآلام، هذا هو الإله الحق عندهم، تعالى الله عن قولهم علوّاً كبيرا..)أ.هـ.باختصار من إغاثة اللهفان (2/283) .

وأنشد الشيخ شهاب الدين القرافي في كتاب "الرد على النصارى" لبعض من يرد عليهم قولهم بصلب المسيح :

وإلى الله ولداً نسبوه
إنهم بعد قتله صلبوه
وصحيحاً فأين كان أبوه؟
أتراهم أرضوه أم أغضبوه
فاعذروهم لأنهم وافقوه
واعبدوهم لأنهم غلبوه


عجباً للمسيح بين النصارى
أسلموه إلى اليهود وقالوا
فإن كان ما تقولون حقاً
حين خلى أبنه رهين الأعادي
فلئن كان راضياً بأذاهم
ولئن كان ساخطاً فاتركوه


وقال ابن حزم رحمه الله تعالى :

في رده على "نقفور" إمبراطور الروم..

بعيدا عن المعقول بادي المآثم
فيالك سخفاً ليس يخفى لعالم
كلام الألى فيما أتوا بالعظائم
له يا عقول الهاملات السوائم
بأيدي يهود أرذلين ألائم
فما دين ذي دين لنا بمقاوم
محمد الآتي بدفع المظالم
ولا مكنت من جسمه يد لاطم
على وجه عيسى منكُم كل آثم
فيا لضلال في الحماقة جاثم
سيلقى دعاة الكفر حالة نادم
من الناس مخلوق ولا قول زاعم
لقدُ فقتم في ظلمكم كل ظالم.


أتقرن يا مخذول دينا مثلثا
تدين لمخلوقٍ يدين لغيره
أناجيلكم مصنوعة قد تشابهت
وعود صليب لا تزالون سُجّداً
تدينون تضلالاً بصلب إلهكم
إلى ملة الإسلام توحيد ربنا
وصدق رسالات الذي جاء بالهدى فلم تمتهنه قط قوة آسر
كما يفتري إفكاً وزوراً وضلةً
على أنكم قد قلتم هو ربكم
أبى الله أن يدعى له ابن وصاحب ولكنه عبد نبي مكرم
أيلطم وجه الرب تباً لجهلكم


***

وأخيراً فإن قصة الصلب عند النصارى يتخللها من التناقضات ويكتنفها من الغموض ما يؤكد لكل عاقل أنها ملفقة على المسيح..

- فإن حال الذين أسروه وشهدوا صلبه - كما تزعم أناجيل النصارى اليوم – يوجب ردّ خبرهم دون أدنى شك، فهم أعداء المسيح من الشرط الذين ضربوه وصفعوه والأحبار الذين استهزؤوا به ونحوهم ممن لا يتورعون عن الكذب وقبول الرشوة على قول الباطل والزور كما نصت أناجيلهم نفسها .

- كما أن الأناجيل التي بأيدي النصارى تدعي بأنهم أخذوا المسيح وأسروه ليلاً بينما كان تلامذته قد غلبهم النعاس وكان هو سهراناً يصلي .

- كما زعموا أنه لم يبق في خشبة الصلب إلامدّة وجيزة، لم يشاهده فيها ممن آمن به إلا مريم المجدلانية وبعض النسوة، تصرح الأناجيل أنهن إنما شاهدن ذلك (عن بعد) .

- وأن تلاميذ المسيح "الحواريين" كانوا ليتلتئذ بنص الأناجيل خائفين، قد تغيّبوا وهربوا جميعاً فلم يحضروا مشهد الصلب المزعوم.

وأن الوحيد الذي تبعه في بادئ الأمر، قد أنكر معرفته به قبل قصة الصلب المزعومة وتبرأ منه

فأوجب ذلك كله أن يكون خبر الصلب هذا ملفقاً يكتنفه الغموض والشك والريب.. وهو معنى قوله تعالى في القرآن :
(وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء) ومعناه كما قال أبن جزم: "أن أولئك الفسّاق الذين دبروا هذا الباطل،وتواطئوا عليه أنهم كذبة، وهم شبّهوا على من قلّدهم وكذبوا عليهم " أ. هـ.



- رفع المسيح عند المسلمين :

وعقيدتنا نحن المسلمين أن المسيح عليه السلام قد نجاه الله تعالى فلم يُمكّن أعداءه منه، فلا هم أسروه، ولاهم ضربوه، ولاهم صلبوه ولا قتلوه.. بل رفعه الله تعالى إليه، كما أخبر في محكم التنزيل؛ فقال سبحانه:
(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157))(سورة النساء).

وقال تعالى:
(قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران).

فهذا عندنا ثابت يقين نصدّق به ولا نشك طرفة عين أن الله نجيّ عبده ورسوله ورفعه إليه..

وأنه لم يُمكّن أعداءه منه، فما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبه لهم.. أي أنهم إنما قتلوا شبيهاً له.. ثم شبه عليهم اليهود أنهم قتلوه.. وشبه عليهم أحبارهم أنّه صلب فعلاً ليخلّصهم ..

أما كيف شبه لهم ففي ذلك روايات ذكرها أهل التفسير، في تفسير هاتين الآيتين.. أشهرها ما ذكره أبن كثير في البداية والنهاية فرواية تذكر أن المسيح طلب من تلامذته أن يتطوع أحدهم ليلقي الله عليه شبه المسيح ويكون رفيقة في الجنة، ففعل ذلك شاب منهم، فأخذوه وصلبوه بدلاً من المسيح ..

ورواية أخرى مفادها أن الله تعالى ألقى شبه المسيح على ذلك الخائن يهوذا الإسخريوطي، فأخذوه، وهم يظنونه عيسى، فقتلوه وصلبوه، ورفع الله المسيح إليه.
( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ ) (سورة النساء).

وكان عمر عيسى لما رفعه الله إليه (33) سنة على ما ذكره أهل التاريخ، فتكون مدة دعوته لبني إسرائيل ثلاث سنوات. لأن بعثته كانت كما تقدم، في الثلاثين من عمره.



- دفن المسيح وقيامته عند النصارى :

ويزعم النصارى في أناجيلهم أن المسيح بعد صلبه وموته طالب بجثمانه رجل اسمه يوسف، فأعطي ذلك الجثمان في المساء أي بعد سويعات من صلبه..

فوضعه في قبر له جديد كان قد حفره في الصخر.. وأنه بعد ثلاثة أيام فقد من قبره رغم ما كان عليه من حرس، فاجتمع أحبار اليهود وتشاوروا، فرشوا الجنود والحرس بمال كثير ليقولوا أن تلاميذه جاؤوا ليلاً فسرقوا جثته وهم نائمون ويزعم النصارى أنه تراءى لتلامذته بعد ذلك واجتمع بهم وأكل معهم سمكاً مشوياً وذلك ما يسمى عندهم بالقيامة..

وأنه بعد تلك القيامة رفع إلى السماء، هكذا ورد في إنجيل لوقا :
"وبينما هو يباركهم انفصل عنهم " ، وكذا في إنجيل مرقس : "وبعدما كلمهم رفع إلى السماء" أ.هـ.

أما متى فزعم في إنجيله أن المسيح قال لتلامذته :
"وهأنذا معكم طوال الأيام، إلى نهاية العالم"أ.هـ .

فلا ندري بأي المقالتين يأخذ النصارى ..؟!

أما نحن المسلمون فنوقن كما تقدم من محكم التنزيل أن الله نجاه من أعدائه فلم يقتلوه ولا صلبوه، بل رفعه إليه.. وأنه سينزل قبل يوم القيامة.. وسيكون نزوله علامة من علامات الساعة الكبرى..

قال تعالى:
(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157)بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا(159)) (سورة النساء).

فقوله:
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(سورة النساء) ... أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.. ويقتل الدجال .

ووقتها لا ينزل نبياً مرسلاً.. إذ لا نبيّ بعد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، ولكنه ينزل حكماً عدلاً كما في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفس محمد بيده لينزلن عيسى ابن مريم إماماً مقسطاً حكماً عدلاً، فليكسرن الصليب.. وليقتلنّ الخنزير، وليصلحنّ ذات البين، وليذهبن الشحناء وليعرضنّ عليه المال فلا يقبله، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد، لأجيبنّه" .

وسيأتم وقتها بأمير طائفة المسلمين المجاهدة يومها؛ تكرمة لهذه الأمة..

فعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة
قال: فيزل عيسى بن مريم عليه السلام. فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمه الله لهذه الأمة ). رواه مسلم.

وقد جاء النص صريحاً أن المسيح سيقاتل عند نزوله الناس على الإسلام لا على الجزية ولا على غيرها فيُهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، وأنه يمكث أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون..

فروي أبو داود والإمام أحمد (2/406) بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/384) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( الأنبياء إخوة لعَلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه؛ رجلٌ مربوع، إلى الحمره فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله المسيح الدجال، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيّات لا تضرهم، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون )



- بعض أوصاف المسيح عليه السلام :

جاء في الحديث السابق :
(وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه؛ رجلٌ مربوع، إلى الحمره )

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أُدْم الرِّجال تضرب لِمتّه بين منكبيه رجلُ الشعر، يقطر رأسه ماءً، واضعاً يديه على منكبي رجلين، وهو بينهما يطوف بالبيت، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: المسيح ابن مريم." رواه مسلم رقم 79/ المختصر.

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"حين اسري بي لقيت موسى عليه السلام.. إلى قوله: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو رَبْعَة أحمر([94]). كأنه خرج من ديماس، يعني حماماً." رواه مسلم رقم 78 / المختصر.



- من أقوال المسيح عليه السلام :

ذكر الحافظ أبن كثير جملة من أخباره في البداية والنهاية (2/89) فصاعدا.. من ذلك قوله عليه السلام:

- "اعبروا الدنيا ولا تعمروها.. وربّ شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً".

- وقوله :
"لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا فيها كأنكم عبيد، فإنما الناس رجلان معافىً ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية"..

- وقوله (2/90):
"يا معشر الحواريين اجعلوا كنوزكم في السماء، فإنّ قلب الرجل حيث كنزه" أ.هـ. من البداية والنهاية.([95])

- وقوله:
"يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رؤوسكم، والآخرة تحت أقدامكم، قولكم شفاء، وعملكم داء. مثلكم مثل شجرة الدفلى، تعجب من رآها، وتقتل من أكلها"(2/91).

- وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأى عيسى بن مريم رجلاً يسرق فقال له عيسى: سرقْتَ؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو , فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت نفسي" المختصر رقم (1620)

- وقال مكحول:
(التقي يحيى وعيسى، فصافحه عيسى وهو يضحك فقال له يحيى: يا ابن خالة، مالي أراك ضاحكاً كأنك أمِنت؟ فقال له عيسى: مالي أراك عابساً كأنك يئست.؟ فأوحى الله إليهما : أن أحبكما إليّ أبشكما بصاحبة) البداية والنهاية (2/91)

وقد روى أبو داود والإمام أحمد (4/136) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقاً لم تكذبوهم وإن كان باطلاً لم تصدقوهم)

وقد رواه البخاري دون زيادة:
(فإن كان حقاً..)

وهذا فيما ليس في شرعنا تصديق أو تكذيب له.

أما ما ورد رده وتكذيبه في شرعنا كدعوى ألوهية المسيح أو بنوّته لله.. ونحوه من عقائد الكفر والشرك والضلال فباطل مردود.

وما كان موافقاً لشرعنا، فلا حرج من روايته، وإن كان في شرعنا ما يغني عنه.. وهذه أمثلة مما ينسب إلى المسيح من ذلك ..

جاء في إنجيل متى (5/27-28) قوله:
"قد سمعتم أنه قيل: (لا تزن) أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة بشهوة زنى بها في قلبه"أهـ.

- وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :
(.. العينان زناهما النظر .. إلى قوله: والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ).

وفي لوقا (12/4-6) :
" أقول لكم ياأحبابي ، لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ثم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً بعد ذلك، ولكنني أبيّن لكم من تخافون: خافوا من له القدرة بعد القتل أن يلقي في جهنم"أهـ.

- وهذا موافق لقوله تعلى :
(فَلَا تَخْشَوا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (سورة المائدة) ولقوله سبحانه: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (سورة التوبة).

وفي متى (10/34-36):
"لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً: لأفرق بين المرء وأبيه، والبنت وأمها والكنة وحماتها، فيكون أعداء الإنسان أهل بيته"

وفي لوقا (12/51-53):
" أتظنون أني جئت لأحل السلام في الأرض؟ أقول لكم : لا بل الإنقسام، فيكون بعد اليوم خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة منهم على اثنين واثنان على ثلاثة.. الخ"

- وهذا موافق لقوله تعالى:
(فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ(14)) (سورة الصف).

وقوله سبحانه:
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ(4)) (سورة البينة).

وموافق لوصف الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري:
( ومحمد فرْقٌ بين الناس ) وفي رواية ( فرّقَ بين الناس ) ومن أسماء القرآن الفرقان،وسمي يوم بدر يوم اقتتل الجمعان الآباء والأبناء على الدين بيوم الفرقان.

وفي لوقا (16/13):
"ما من خادم يستطيع أن يعمل لسيدين، لأنه إما أن يبغض أحدهما ويحب الآخر..) وزاد في متى (6/24) : ( وإما أن يلزم أحدهما ويزدري الآخر .. ) أهـ.

وهذا مثل للعبد المشرك الذي تتنازعه أوامر أسياده ..

وهو موافق لقوله تعالى:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ(29))(سورة الزمر).

وفي متى (7/3) ولوقا (6/41-42):
"لماذا تنظر إلى القذى الذي في عين أخيك ؟ والخشبة التي في عينك أفلا تأبه لها ؟.. "أهـ.

- وفي الحديث الذي يرويه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية (4/99) عن أبي هريرة مرفوعاً:
( يُبصرُ احدُكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجِذعَ في عينه معترضاً ) ورواه البخاري في الأدب المفرد (592) وكذلك أحمد في (الزهد) لكن موقوفاً عند كليهما على أبي هريرة .

وفي متى (6/2-4):
" إذا تصدقت فلا ينفخ أمامك في البوق، كما يفعل المراؤون في المجامع والشوارع، ليعظم الناس شأنهم، الحق أقول لكم أنهم أخذوا أجرهم، أما أنت، فإذا تصدقت، فلا تعلم شمالك ما تفعل يمينك، لتكون صدقتك في الخفية "أهـ.

- وأول هذا موافق لما رواه مسلم في الثلاثة الذين هم أول من تسعر فيهم جهنم يوم القيامة وفيهم رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ فقال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، فيقال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل .. )

- وأما آخره فموافق لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وفيهم:
( رجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه..)

وأخيراُ ..

فإن ديننا وما جاء به موسى وعيسى من الدين الحق ؛ ليخرج من مشكاة واحدة ..

ولو لم تعبث أيدي التحريف والتبديل في كتبهم ؛ أو قل لو أن الإنجيل الذي جاء به عيسى بين أيدي النصارى اليوم كما هو
؛ لوجدته يخرج كله مع قرآننا من مشكاة واحدة ..

وقديما شهد النجاشي بهذا قبل أن يسلم وهو على نصرانيته يوم قال لجعفر: هل معك مما جاء به –أي النبي صلى الله عليه وسلم – من شيء ؟ قال: نعم . قال : فاقرأه عليّ . فقرأ عليه صدراً من "كهيعص" – وفيها قصة ولادة مريم للمسيح – فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلي عليهم.

ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق